فصل: مسألة الرجل يرضي إحدى امرأتيه بالنفقة وغير ذلك دون الأخرى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الرجل يرضي إحدى امرأتيه بالنفقة وغير ذلك دون الأخرى:

قال: وسمعته يسأل عن الرجل يرضي إحدى امرأتيه بالنفقة يعطيها إياها وغير ذلك مما يرضيها في يومها الذي هو لها فيكون فيه عند امرأته الأخرى، فقال: إن الناس ليفعلون ذلك، فقيل له: أتكره هذا أنت؟ فقال: غيره أحب إلي منه.
قال محمد بن رشد: قد سئل في هذا الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب طلاق السنة عن المرأة تشتري من صاحبتها يومها من زوجها، فقال: ما يعجبني هذا، وإني لأكرهه، أرأيت لو اشترت منها شهرا أو سنة؟ وإني لأرجو أن تكون الليلة خفيفة، فظاهر قوله أنه فرق في الليلة الواحدة بين أن يكون الرجل هو المشتري لها من امرأته أو تكون صاحبتها هي التي اشترتها منها فجعل شراء المرأة من صاحبتها الليلة أشد في الكراهة، فيحتمل أن يكون المعنى المفرق بينهما عنده أن المرأة لا تدري ما يحصل لها بما أعطت من الاستمتاع بزوجها، إذ قد يصيبها في تلك الليلة وقد لا يصيبها، والرجل يدري ما يحصل له من الاستمتاع بما أعطى إذ هو مالك للإصابة إن شاء أصاب وإن شاء لم يصب، وأما شراء المدة الطويلة فالكراهة فيها بينة من كل واحد منهما لأنه غرر إذ لا يدري كل واحد منهما هل يعيش إلى تلك المدة هو أو الذي اشترى الاستمتاع به، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل قال إن تزوجت فلانة فهي طالق:

وسئل عن رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها فطلقت عليه، أتطلق عليه إن تزوجها بعد ذلك أيضا؟ قال: لا تطلق عليه.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة على أصله في المدونة وفي غير ما. مسألة من العتبية من كتاب النذور ومن كتاب الأيمان بالطلاق ومن كتاب العتق حاشا مسألة الوتر الواقعة في رسم ليرفعن أمرا إلى السلطان من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، وقد مضى من القول على ذلك هناك ما فيه كفاية لمن تأمله، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة المساواة بين الزوجات:

وقال لي مالك: سمعت أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان، فإذا كان يوم إحداهما لم يشرب من بيت الأخرى، إنما سمعت ذلك وما أدري ما حقه؟.
قال محمد بن رشد: وجاء عنه أنهما توفيتا معا في الوباء الذي أصابهم بالشام فدفنتا في حفرة واحدة فأسهم بينهما أيتهما تقدم في القبر، وإنما كان يفعل ذلك تحريا للعدل والمساواة بينهما من غير أن يكون ذلك واجبا عليه، لا بأس على الرجل أن يتوضأ من ماء المرأة من زوجاته ويشرب من بيتها الماء ويأكل من طعامها الذي ترسل إليه في يوم غيرها من غير أن يتعمد بذلك ميلا وأن يقف ببابها، فيتفقد من شأنها ويسأل عن حالها ويسلم من غير أن يدخل عليها أو يجلس عندها، روي عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان عند بعض أزواجه في يومها يطوف على سائر أزواجه قائما ولا يجلس، قالت: فوقف علي يوما وأنا أطبخ قدرا فيها لحم، فقال: «ماذا تطبخين يا أم سلمة في هذه القدر؟، فقلت: يا رسول الله لحما أفلا أناولك منه؟ قال: بلى، وجلس على العتبة قالت: فناولته فأكل منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء المؤذن فقام فصلى ولم يمس ماء».

.مسألة امرأة ابن أخيه أرضعت بلبنه جارية ثم تزوجها:

وسئل فقيل له: إن امرأة ابن أخي أرضعت بلبنه جارية ثم تزوجها، فقال: أفي الصغر؟ فقال له: نعم، فقال له: أرى نكاحها مفسوخا، لأن لبن الفحل يحرم، وهذا لبن الفحل، فالرضاعة تحرم ما تحرم الولادة، وما أرى نكاحك إلا مفسوخا، وأما إذا تزوجت فارجع إلي إن شئت.
قال محمد بن رشد: لبن الفحل يحرم عند مالك رَحِمَهُ اللَّهُ وجميع أصحابه، ولا اختلاف فيه بين أحد من فقهاء الأمصار «لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة في عمها أفلح أخي القعيس: إنه عمك فليلج عليك»، بعد أن قالت له: يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل- تعني بالمرأة زوجة أبي القعيس- لأنها لما أرضعتها بلبنه صار أبا لها من الرضاعة وصار أخوه أفلح عما لها من الرضاعة، وقد كانت عائشة لا ترى لبن الفحل يحرم، فكان يدخل عليها من أرضعه بنات أخيها وبنات أختها ولا يدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها، فرأى ذلك طائفة من العلماء، منهم ابن المسيب، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، والنخعي، وأبو قلابة علة في حديثها إذ لا يمكن أن تخالف ما روت عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ لغير حجة علمتها، ولم ير مالك رَحِمَهُ اللَّهُ ذلك علة في حديثها إذ قد يمكن أن تكون خالفته لتأويل لا يلزم اتباعها عليه، إلا أن من مذهبه مراعاة الخلاف إذا قوي، فأراد، والله أعلم، بقوله للسائل: وأما إذا تزوجت فارجع إلي إن شئت، أن يسأله كم أرضعت الجارية؟ وهل كان رضاعها في الحولين أو بعد الحولين؟ إذ قد قال جماعة من العلماء: لا تحرم المصة ولا المصتان، على ما روي في ذلك عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، وقال جماعة منهم أيضا: إنه لا يحرم من الرضاع ما كان بعد الحولين وإن قرب، ولم يكن قبل ذلك فصال، فلو اتفقت هذه الأسباب لم يفرق بينهما، والله أعلم، لأن الخلاف كان يقوى في المسألة لدخوله فيها من وجوه شتى، وبالله التوفيق.

.مسألة المرأة المستخلفة على يتيمة هل تعقد لها النكاح:

وسألته عن المرأة المستخلفة على يتيمة أليس هي لا تعقد النكاح ولكنها تستخلف رجلا يكون هو الذي يعقده؟ فقال لي: بلى.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن كل من لا يجوز أن يكون وليا للمرأة من امرأة وعبد أو نصراني، فلا يجوز لهم إذا استخلفوا على امرأة أن يلوا العقد عليها، وإنما يجوز لهم أن يلوه على من استخلفوا عليه من الذكور، وقد مضى القول على هذا مشروحا بينا في رسم سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة تزوج امرأة فنقدها صداقها فيقول أهلها لا تدخل حتى نسمنها ونحسن إليها:

وسئل عمن تزوج امرأة فنقدها صداقها وقال: أدخلوها علي، فيقول أهلها: حتى نسمنها ونحسن إليها، ألزوجها أن يدخل عليها من ساعتها وقد أعطاهم صداقها؟ فقال: الوسط من ذلك، ليس له أن يقول: أدخلوها علي الساعة، ولا لهم أن يؤخروها عنه، ولكن الوسط من ذلك بقدر ما يجهزونها ويهيئون أمرها، وقد قال تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3]، وقال لنبيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ولهم حق وحرمة، فالوسط من ذلك المعروف.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن تعجيل دخوله عليها من ساعته تضييق عليها وإضرار بها وتأخيرها عنه المدة الطويلة حمل عليه وإضرار به، فالوسط من ذلك عدل بينهما، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خير الأمور أوساطها» وإذا وجب أن يؤجل الغريم فيما حل عليه من الحق بقدر ما يهيئه وييسره ولا يباع عليه فيه عروضه بالغا ما بلغ في الحين، فالمرأة أولى بالصبر عليها في الدخول بها إلى أن تهيئ من شأنها ما تحتاج إليه في القدر الذي لا يضر بالزوج أن يؤخر إليه.

.مسألة المرأة تشهد لوليها أنها قد ولته أمرها وأمرته بإنكاحها بغير مؤامرتها:

قال: وسألته عن المرأة تشهد لوليها أنها قد ولته أمرها وأمرته بإنكاحها بغير مؤامرتها إن جاءه كفؤ، فيأتيه من يرضى فيزوجه إياها بأقل من مهر مثلها، فقال: ما هذا من عمل الناس، لا أرى إذا جاء من يرضاه لها أن يزوجه إياها، وهو الذي عليه عمل الناس، ومضوا عليه، قال سحنون: وإذا فوضت إليه إنكاحها ممن رآه ورضيه فأنكحها ممن رأى بغير مؤامرتها، فالنكاح لها لازم، بكرا كانت أو ثيبا.
قال محمد بن رشد: أما إذا زوجها بأقل من صداق مثلها فلا يلزمها النكاح باتفاق إلا أن ترضى به، وأما إذا زوجها بصداق مثلها فقيل: النكاح لها لازم لا خيار لها فيه لأنها قد فوضت إليه أن يزوجها ممن رآه، وهو قول سحنون، وقيل: لا يلزمها ولها أن تدفعه إن شاءت وترضى به إن شاءت، قرب الأمر أو بعد، وهو قول مالك، والقولان في المدونة، قال ابن حبيب: وإنما يجوز لها الرضى به إذا كان ذلك بحدثان العقد، فإن لم يكن بحدثانه فالنكاح مفسوخ، ولا يجوز لها أن ترضى به إلا أن يجدد نكاحا جديدا بعد فسخ الأول على قياس المشهور من قولهم في الولي يزوج وليته الغائبة قبل أن يستأمرها، وليس بصحيح لأنهما مسألتان، والفرق بينهما بين. وسيأتي القول على هذا في رسم الجواب من سماع عيسى إن شاء الله، ولو زوجها من نفسه إذا فوضت إليه أن يزوجها ممن شاء لم يلزمها النكاح إلا أن تشاء، قاله في المدونة، ولا اختلاف في ذلك إن شاء الله.

.مسألة النصراني يختن ابنا له فيدعو في دعوته مسلمين أو مسلما:

ومن كتاب الأقضية الثالث:
قال: وسئل عن النصراني يصنع صنيعا فيختن ابنا له فيدعو في دعوته مسلمين أو مسلما، أترى أن يجيبه؟ فقال: إن شاء جاء، ليس عليه في ذلك ضيق، إن جاء فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: معنى قوله: إنه لا إثم عليه في ذلك ولا حرج إن فعله، وذلك إذا كان له وجه من جوار أو قرابة أو ما أشبه ذلك، والأحسن أن لا يفعل لاسيما إذا كان ممن يقتدى به؛ لما في ذلك من التودد إلى الكفار، وقد قال الله: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الآية.

.مسألة تدخل جارية الزوجة أو الولد على الرجل في المرحاض:

وسئل، فقيل له: أليس واسعا أن تدخل جارية الزوجة أو الولد على الرجل في المرحاض فقال مالك: لا، ما في ذلك من سعة، قال عز وجل: {أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6].
قال محمد بن رشد: يريد من أجل أن الرجل يتجرد في الخلاء، ولا يجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلا إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من ذوات محارمه، وقد أمر النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أن يستأذن للرجل على أمه، وقال للسائل عن ذلك: «أتحب أن تراها عريانة»، وقد قيل: إنه لا يجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلا إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من المرأة، وهو بعيد يلزم عليه ألا ييمم النساء الرجال الأجنبيين إلا إلى الكوعين، وهذا ما لا يوجد في شيء من مسائلنا، وإن كان ذلك ظاهر قول الله عز وجل لأنه قال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]، كما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، فالمعنى في ذلك: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن عما لا يحل لهن من النظر فيه، وقد بينت ذلك السنة، وذلك «قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة بنت قيس: اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده»، فلولا أنها في النظر إليه كحكم الرجل في النظر إلى ذوات محارمه لما أباح لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاعتداد عنده، وهذا بين والله أعلم.

.مسألة رجل يطعم أهله الشعير فتأبى ذلك عليه وتقول لا آكل إلا الحنطة:

وسئل عن رجل يطعم أهله الشعير فتأبى ذلك عليه وتقول: لا آكل إلا الحنطة، أترى ذلك له عليها؟ فقال: نعم، أرى ذلك له عليها إذا كان الناس قد أكلوا الشعير، فأما إذا كان القمح كثيرا موجودا وكان واجدا فإني أرى أن يعطيها القمح.
قال محمد بن رشد: في قوله: وكان واجدا، دليل على أنه لو لم يكن واجدا وعجز عن أن يعطيها القمح لكان له أن يعطيها الشعير، وإن كان القمح كثيرا موجودا بالبلد هو جل قوتهم به، خلاف ما في رسم الكبش في سماع يحيى من كتاب طلاق السنة من قوله فيه: وليس له أن يخصها بما لا يحتمله أهل بلدها، وجه رواية أشهب هذه هو أنه الذي يدل عليه قول الله عز وجل: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]، إذ قد علم أن الرجل لا يطعم أهله إلا ما يجد ويقدر عليه، ووجه رواية يحيى أن الزوجين قد دخلا من الإنفاق على عرف البلد، فكما لا يكون للزوجة أن تأخذ الزوج بالحنطة إذا قدر عليها وأهل البلد يأكلون الشعير، فكذلك لا يكون للزوج أن يعطي الزوجة الشعير إذا عجز عن الحنطة وأهل البلدة لا يأكلونها.

.مسألة الرجل يتهم ختنته بإفساد أهله عليه فيريد أن يمنعها من الدخول عليها:

وسئل عن الرجل يتهم ختنته بإفساد أهله عليه فيريد أن يمنعها من الدخول عليها، قال: ينظر في ذلك، فإن كانت مسيئة منعها بعض المنع ولا كل ذلك، وإن كانت غير مسيئة لم تمنع من الدخول على ابنتها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ إنها إذا كانت مسيئة منعت من كثرة التكرر بالدخول إليها للضرر الداخل بذلك على الزوج ولم تمنع من الدخول جملة لما في ذلك من قطع صلة الرحم، وإذا لم تكن مسيئة لم تمنع من شيء، وهي محمولة على غير الإساءة حتى تثبت إساءتها، وبالله التوفيق.

.مسألة الذي يكون بينه وبن ختنه أخي امرأته كلام فيمنعه من الدخول على أخته:

وسئل عن الذي يكون بينه وبن ختنه أخي امرأته كلام، فيمنعه من الدخول على أخته، فقال: ما أرى أن يمنع، لم يمنع؟ قلت له: أليس له أن يدخل؟ قال: بلى له أن يدخل، ورواها عبد الرحمن بن أشرس عن مالك هكذا.
قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال، إنه ليس له أن يمنع أخا امرأته من صلتها بالدخول عليها وتفقد شأنها لما كان بينه وبينه من الكلام إلا أن يتهمه بإفسادها عليه ويبين ذلك فيمنع بعض المنع لا كل المنع كالكلام في المسألة التي فوقها.

.مسألة هل تخرج الجارية المملوكة متجردة:

ومن كتاب الأقضية:
قال: وسئل مالك: أيكره أن تخرج الجارية المملوكة متجردة؟
فقال: نعم وأضربها على ذلك.
قال محمد بن رشد: يريد بمتجردة: مكشوفة الظهر أو البطن، وأما خروجها مكشوفة الرأس فهو سنتها لئلا تتشبه بالحرائر اللواتي أمرهن الله بالحجاب وأن يدنين عليهن من جلابيبهن. وقد رأى عمر بن الخطاب أمة لابنه عبيد الله قد تهيأت بهيئة الحرائر فدخل على حفصة ابنته فقال لها: ألم أر جارية أخيك تجوس الناس وقد تهيأت بهيئة الحرائر، وأنكر ذلك. قال عبد الملك في الواضحة: وما رأيت بالمدينة أمة تخرج، وإن كانت رائعة إلا وهي مكشوفة الرأس في ضفائرها أو في شعر مجمم لا تلقي على رأسها جلبابا لتعرف الأمة من الحرة، إلا أن ذلك لا ينبغي اليوم لعموم الفساد في أكثر الناس، فلو خرجت اليوم جارية رائعة مكشوفة الرأس في الأزقة والأسواق، لوجب على الإمام أن يمنع من ذلك ويلزم الإماء من الهيئة في لباسهن ما يعرفن به من الحرائر، والله الموفق، لا رب غيره، ولا معبود سواه.

.مسألة امرأة أصدقت عبدا ثم دفع إليها وقبضته فباعته ثم طلقها قبل البناء بها:

وسئل عن امرأة أصدقت عبدا ثم دفع إليها وقبضته فباعته ثم طلقها قبل البناء بها، فبأي شيء يرجع عليها أبنصف قيمته أم بنصف الثمن الذي باعته به أم بماذا؟ فقال: لا أرى له عليها إلا نصف الثمن الذي باعته به إذا باعته بوجه البيع ولم يتبين في بيعه منها محاباة في البيع ولا مداهنة، لا أرى له عليها إذا كان ذلك إلا نصف الثمن الذي باعت به العبد.
قال محمد بن رشد: وهذا على القول بأنه إذا مات ثم طلقها لا يرجع عليها بشيء، وأن الغلة تكون بينهما بنصفين وأنها إن وهبته أو أعتقته تلزمها فيه القيمة يوم وهبت أو أعتقت، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وقول أشهب وابن نافع وروايتهما عن مالك في أول رسم من هذا السماع، وأما على القول بأن لها جميع الغلة وأنها إن وهبته أو أعتقته تلزمها القيمة يوم القبض وهو قول غير ابن القاسم في كتاب النكاح الثاني من المدونة فيلزمها إذا باعته قيمته يوم قبضته، وعلى هذا يأتي قول مالك في أول رسم هذا السماع أمر بذلك في وجوب رجوع الزوج عليها بنصف قيمته إذا مات في يديها ثم طلقها، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل تكون له المرأة الحريصة المبالغة في تأدية حقه:

وسألته عن الرجل تكون له المرأة الحريصة المبالغة في تأدية حقه، فإذا رأته داخلا تلقته فأخذت عنه ثيابه ونزعت نعليه، ولم تزل قائمة حتى يجلس، فقال: أما تلقيها إياه ونزعها ثيابه ونعليه فلا أرى بذلك بأسا، وأما قيامها فلا أرى ذلك ولا أرى أن يفعله، هذا من التجبر والسلطان، فقلت له: والله ما ذلك من شأنه ولا تشبهه هذه الحال، ولكنها تريد إكرامه وتوقيره وتأدية حقه، وإنه لينهاها عن ذلك ويمنعها منه، فقال لي: كيف استقامتها في غير ذلك؟ فقلت له: من أقوم الناس طريقة في كل أمرها، فقال: تؤدي حقه في غير هذا، فأما هذا فلا أرى أن تفعله، إن هذا من فعل الجبابرة، بعض هؤلاء الولاة يكون الناس ينتظرونه جلوسا فإذا طلع عليهم قاموا له حتى يجلس، فلا خير في هذا ولا أحبه، وليس هذا من أمر الإسلام، فأرى أن تدع هذا وتؤدي حقه في غير ذلك، وليس هذا مثل الذي أخبر الله عنه: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40] قال عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ للدابة التي ركب: ما نزلت عنها حتى تغيرت نفسي، قال مالك: ولعمر فضله.
قال محمد بن رشد: القيام للرجل على أربعه أوجه: وجه يكون القيام فيه محظورا، ووجه يكون فيه مكروها، ووجه يكون فيه جائزا، ووجه يكون فيه حسنا، فأما الوجه الذي يكون فيه محظورا لا يحل، فهو أن يقوم إكبارا وتعظيما لمن يحب أن يقام إليه تكبرا وتجبرا على القائمين إليه، وأما الوجه الذي يكون القيام فيه مكروها فهو أن يقوم إكبارا وتعظيما وإجلالا لمن لا يحب أن يقام إليه ولا يتكبر على القائمين إليه، فهذا يكره للتشبه بفعل الجبابرة ولما يخشى أن يدخله من تغير نفس المقوم إليه، وأما الوجه الذي يكون القيام فيه جائزا فهو أن يقوم تجلة وإكبارا لمن لا يريد ذلك ولا يشبه حاله حال الجبابرة ويؤمن أن تتغير نفس المقوم إليه لذلك، وهذه صفة معدومة إلا فيمن كان بالنبوة معصوما، لأنه إذا تغيرت نفس عمر بالدابة التي ركب عليها، فمن سواه بذلك أحرى، وأما الوجه الذي يكون فيه القيام حسنا فهو أن يقوم الرجل إلى القادم عليه من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه، أو إلى القادم عليه مسرورا بنعمة أولاها الله إياه ليهنئه بها، أو إلى القادم عليه المصاب بمصيبة ليعزيه بمصابه وما أشبه ذلك، فعلى هذا يتخرج ما ورد في هذا الباب من الآثار ولا يتعارض شيء منها، من ذلك أنه قال: «من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ويروى: من أحب أن يستجم»، ومعناه معنى الأول، وقد رواه بعض الناس: «من أحب أن يستخم له الناس قياما»، وقال: معناه أن يطول قيامهم له حتى تتغير روائحهم من طول القيام كما يفعل الجبابرة من طول قيام الناس على رؤوسهم، وليس ذلك بصحيح، لأن معاوية بن أبي سفيان راوي الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلم بمعناه، روي «عن أبي مجلز قال: دخل معاوية بيتا فيه عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر، فقام ابن عامر وثبت ابن الزبير وكان أرزنهما فقال معاوية: اجلس يا ابن عامر، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار» وقام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعكرمة بن أبي جهل عند قدومه عليه من اليمن فرحا بقدومه عليه مسلما، ورمى عليه رداء فسلم عليه وبايعه، وقام طلحة بن عبد الله بحضرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكعب بن مالك ليهنئه بتوبة الله عليه، فلم ينكر ذلك عليه ولا قام من مجلس النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أحد سواه إليه، فكان كعب يقول: لا أنساها لطلحة، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكره أن يقام إليه فلا يقوم إليه من علم بكراهيته لذلك، روي «عن أنس أنه قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك» وروي عن أبي هريرة أنه قال: «كنا نقعد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد بالغدوات فإذا قام إلى بيته لم نزل قياما حتى يدخل بيته»، فتأويل ذلك أنهم كانوا يفعلون ذلك لما يلزمهم من إكبار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوقيره لقول الله عز وجل: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] قبل أن يعلموا بكراهيته لذلك، وأما ما روي من «قوله للأنصار: قوموا إلى سيدكم» فيحتمل أن يكون إنما أمرهم بذلك تجلة له وإكراما لعلمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لا يحب ذلك منهم، وأنه ليس ممن يتكبر عليهم، وقد قيل: إنه إنما أمرهم بالقيام إليه ليعينوه على النزول من على الحمار الذي أتى عليه لأنه كان مريضا من الجرح الذي كان أصابه، وكان رجلا بدينا، فهو وجه كراهية مالك لقيام المرأة إلى زوجها، وبالله التوفيق.

.مسألة يعطي الرجل ابنته ويكتبها له هبة فينفق عليها حتى إذا بلغت أراد أخذها:

وسئل عن الرجل يعطي الرجل ابنته ويكتبها له هبة فينفق عليها حتى إذا بلغت أراد أخذها فقال: أما الرجل يعطي الرجل ابنته ليس بينه وبينها حرمة يحرم بها عليه نكاحها، فليس ذلك بحسن أن يعطيها غير ذي محرم، فأما ذو حرمة ممن لا تحل له مثل العم والخال ومن لا يحل له نكاحها، فإن ذلك لا بأس به، وإن أراد أبوها أن يأخذها منه لم أر ذلك له إلا على وجه إساءة إليها وضرر، فقيل له: أفيكون للذي وهبت له أن ينكحها بغير رضا أبيها؟ فقال: أرى إنكاحها إلى الذي وهبت له إن كان جعل ذلك بيده إذا دعا إلى سداد، قلت: أرأيت إن مات الأب أله أن ينكح الجارية بغير إذنها فقال: لا، وذلك مثل أن لو جعل ذلك إلى ابنه ثم مات، لم يكن له أن ينكحها إلا بإذنها.
قال محمد بن رشد: كراهيته للرجل أن يهب ابنته لمن لا حرمة بينه وبينها، صحيحة بينة في المعنى، وقد ذهب أهل النظر إلى أن ما في كتاب النكاح الأول من المدونة في مسألة رجال من الموالي يكفلون صبيانا من العرب، يدل على أنه لا كراهية في ذلك، خلاف ما ها هنا وليس ذلك بصحيح لأنه لم يتكلم هناك على ما تكلم عليه ها هنا من جواز الفعل ابتداء، وإنما تكلم في إنكاحها إذا وقعت الحضانة، فقال: أرى تزويجها جائزا عليها، يريد بغير رضاها، والوجه في ذلك أنه أنزله بالحضانة لها في حياة أبيها منزلة الوكيل له على إنكاحها، فلا يحتاج في ذلك إلى رضاها، وذلك خلاف قوله ها هنا؛ إذ لم ير إنكاحها إليه بالهبة والحضانة، إلا أن يكون جعل ذلك إليه نصا، وحكى ابن حبيب مسألة مالك في المدونة في صبيان الأعراب على خلاف ما وقعت في المدونة، فقال فيها: وتكون فيهم الجارية وقد مات أبوها وغاب أهلها، فإن الذي كفلها ورباها أولى بعقد نكاحها لما قد ولي منها، يريد أنه أولى بعقد نكاحها من ولاتها، فأنزله منزلة الوصي بالحضانة، وذلك نحو ما في كتاب القسمة من المدونة أن الرجل تجوز مقاسمته على اللقيط الذي هو في حجره، والمشهور المعلوم في المذهب أن الولي أحق بالإنكاح من الحاضن، وقد جعل ابن العطار مسألة المدونة أصلا بنى عليه فقال: ولا يجوز للكافل أن يزوج ذات الأب وإن كفلها ورباها، إذا كان أبوها بالحضرة إلا أن يكون غائبا فيزوجها الكافل بغير رضاها على نحو ما وقع في المدونة من صبيان الأعراب الذين يدفعونهم إلى من يكفلهم، قال: وكذلك حال أهل البدو عندنا مع أهل الحضر، قال: والكافل والمربي والحاضن في غير ذات الأب كالولي، يريد أن له أن يزوجها برضاها، وذلك من قوله صحيح مثل قوله في آخر هذه الرواية، وقوله: وإن أراد أبوها أن يأخذها منه لم أر ذلك له إلا على وجه إساءة إليها وضرر صحيح، والوجه في ذلك أن هبته إياها له إنما هي هبة حضانته التي له، فإذا وهبها لم يكن له أن يرجع فيها، ووجه آخر أنه إذا وهبه إياها فقد ملكه الانتفاع بها بنفقته عليها فأشبه عقدة الإجارة عليها، وذلك إذا لم يكن لها أم ولا من هو أحق بحضانتها منه، فإن كان لها أم هي معه في عصمته، فروى ابن نافع عن مالك في المدنية أن ذلك لازم لها وإن طلقها إذا لم يرد بذلك ضررها، وكان ذلك منه على وجه المعروف والصلة وطلب الخير، وقال في النكاح الثاني من المدونة: مثل الرجل الفقير المحتاج، خلاف ظاهر ما في المدونة، وأما إن كان لها أم مطلقة فليس ذلك له لأنها أحق بحضانتها منه إلا أن يكون له مال ينفق عليها منه فلا يكون للأم في ذلك كلام إلا أن يشاء أن يخصها وينفق عليها، ونص رواية ابن نافع عن مالك في المدنية قال: سألت مالكا عن الرجل يهب ولده لإنسان، قال مالك: الهبة إنما هي حضانة، فإن كانت أم الولد حية نظر لها في أمره، فإن كان إنما وهبه ضررا لأمه لم يجز ذلك، وإن كان وهبه للنظر وطلب الخير والصلة جاز ذلك عليها إذا كانت هبته إياها على وجه المعروف الجائز، ثم إن طلق أمه بعد ذلك لم يكن له أن يأخذه ممن وهبه له، وبالله التوفيق.

.مسألة الترغيب في نكاح البكر الولود:

ومن كتاب الطلاق:
قال: وسمعته يقول: تزوج عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امرأة ثم دخل على حفصة ابنته فرفته ودعت له بالبركة وقالت: أما إنها لا ولد فيها، فقال: ما نكحت إلا للولد، ثم خرج من عند حفصة فأرسل إليها بالطلاق من ساعته، ولم يكن دخل بها.
قال محمد بن رشد: معنى رفته دعت له بالرفاء أي بإتمام الصحبة وحسن العشرة، وهو مأخوذ من رفو الثوب: إذا أصلح ورم ما كان فيه من خلل وفساد، وصواب الكلمة رفأته لأن الفعل مهموز، وإنما كرهها عمر لكونها لا ولد فيها وقال: إنما نكحت للولد؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» روي عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال: إني لأتزوج المرأة وما لي فيها حاجة، وأطؤها وما أشتهيها، فقيل له: وما يحملك على ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: رجاء أن يكون مني من يكاثر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النبيين يوم القيامة، فإني سمعته يقول: «عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأحسن أخلاقا وأنتق أرحاما، وإني مكاثر. بكم الأمم يوم القيامة» يعني بقوله، أنتق أرحاما: أقبل للولد.

.مسألة تزوج امرأة بألف ودخل بها ثم مات فطلبت صداقها:

وسئل عمن تزوج امرأة بألف دينار ودخل بها وأقام معها نحوا من ثمانية أشهر ثم مات، فطلبت صداقها، هل ترى اليمين على ورثته؟ فقال: أرى على ورثته أن يحلفوا ما نعلم بقي لها عليه صداق حتى مات، قال: وليس يدخل النساء على أزواجهن إلا بالرضى من مهورهن.
قال محمد بن رشد: أوجب اليمين على الورثة في هذه الرواية على العلم وإن لم تدع ذلك المرأة عليهم، خلاف ما في كتاب النكاح الثاني من المدونة من أنهم لا يمين عليهم إلا أن تدعي عليهم العلم، وخلاف ما في كتاب بيع الغرر منها في مسألة التداعي في وقت موت الجارية الغائبة المشتراة على الصفة إن كان قبل الصفة أو بعدها، وإنما يجب عليهم اليمين إذا كانوا ممن يظن بهم العلم على ما قال في كتاب العيوب والأقضية من المدونة، فإن نكلوا عن اليمين حلفت المرأة على ما تدعي معرفته من أنها لم تقبض صداقها وتستوجبه لا على أن الورثة علموا أنها لم تقبض، فهذه اليمين ترجع على غير ما نكل عنه الورثة، ولها مظاهر كثيرة، فيختلف في لحوق هذه اليمين للورثة لأنها يمين تهمة إذا لم تحقق الزوجة عليهم الدعوى على ما ذكرناه، ولا يختلف في رجوعها على الزوجة لمعرفتها بما تحلف عليه كما يختلف في رجوع يمين التهمة، وبالله التوفيق.